هو العلامة علاء الدين علي بن أبي الحزم بن النفيس القرشي الدمشقي الذي تولى مشيخة الطب بالديار المصرية. وأحد من انتهت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الحاذق، ولد في دمشق حوالي عام 607 هجري وتوفي في 11 من ذي القعدة عام 687 هجري. قال عنه الذهبي (ت :748 ) في كتابه (تاريخ الإسلام ) ابن النفيس شيخ الأطباء في عصره ، ألف في الطب كتاب الشامل، وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أن يكون ثلاثمائة مجلد، وشرح القانون لابن سينا. وكانت تصانيفه يمليها من ذهنه ، ولا يحتاج فيها إلى مراجعة لتبحره في الفن . وانتهت اليه رياسة الطب بالديار المصرية.وخلف ثروة واسعة، ووقف داره وأملاكه وكتبه على البيمارستان المنصوري. ولم يخلف بعد مثله، وقد كتب إلينا الإمام أبو حيان :محمد بن يوسف الأندلسي أن العلاء بن النفيس كان إماما أوحد في الطب لا يضاهي في ذلك ولا يبارى ولا يداني استحضارا واستنباطا ، واشتغل به على كبر. صنف كتاب الشامل، وشرح القانون لابن سينا في عدة مجلدات ، وصنف أيضا مختصرا في الطب يسمى " الموجز" وكتاب "المهذب في الكحل " أجاد فيه كل الإجادة . وقال العمري (ت:749) في مسالك الأبصار :(كان ابن النفيس شيخا طوالا ،أسيل الخدين نحيفا ذا مروءة ، وحكي أنه في علته التي توفى فيها أشار عليه بعض أصحابه الأطباء بتناول شيء من الخمر ، إذ كان صالحا لعلته على ما زعموا ؟! فأبى أن يتناول شيئا منه وقال : لا ألقى الله تعالى وفى باطني شيء من الخمر. وكان قد ابتنى دارا بالقاهرة ، وفرشها بالرخام حتى إيوانها , وما رأيت إيوانا مرخما في غير هذه الدار. ولم يكن متزوجاً، ووقف داره وكتبه على البيمارستان المنصوري. وكان يغض من كلام جالينوس , ويصفه بالعي والإسهاب الذي ليس تحته طائل . وروى أن العلاء بن النفيس كان إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية . ويدير وجهه إلى الحائط ، ويأخذ في التصنيف إملاء من خاطره ، ويكتب مثل السيل إذا تحدر فإذا كل القلم وحفى رمى به وتناول غيره لئلا يضيع عليه الزمان في برى القلم . ومن الكتب التي ألفها ابن النفيس أيضاً: 1- كتاب المختار من الأغذية: موجود في مكتبة برلين تبعا لأهلورت ، وهو يعنى بالغذاء في الإمراض الحادة ، ولذا فقد يكون إيحاؤه من مؤلف أبقراط المسمى : "الغذاء في الأمراض الحادة " وقد لقب ابن النفيس في عنوان هذا الكتاب بالرئيس . 2- شرح تقديمات المعرفة ، وهو تعليق على تكهنات أبقراط ، وذكره حاجى خليفة وبروكلمان. 3- تعليق على كتاب الأوبئة لأبقراط ،في أيا صوفيا (رقم 3642 / 1) 4- شرح مسائل حنين بن إسحاق ، ذكره بدر الدين محمود بن احمد العيني في"عقود الزمان "بمكتبة ليدن بهولندا (رقم 1296 ). 5- شرح مفردات القانون ، ومنه نسخة فريدة في أيا صوفيا (فهرس ص 318 رقم 3659 ) . 6- تفاسير العلل وأسباب المرض مؤلف ذكره بروكلمان . 7- كتاب شرح تشريح القانون ، وهو مفخرة الطب العربي ، وفي هذا الكتاب هجم ابن النفيس في جرأة على القيود التقليد ية التي كانت تشل نشاط المشتغلين بالعلم ، وتحرر من سيطرة جالينوس وابن سينا ، وأنكر ما لم تره عينه أو يصدقه عقله, وقد قال الدكتور العالم بول غليونجى في كتابه ابن النفيس : "وبعد هذه الديباجة التي يعلن فيها إيمانه بتفوق الملاحظة الشخصية والبحث الأصيل على مجرد نقل أقوال الأقدمين مهما كانت منزلتهم .وعدم اكتفائه بالتصنيف والنقل والسير على الطرق (17) المرسومة، ورفضه كل مالا تقره العين والتجربة تابع ابن النفيس شرحه بمقدمة أراد بها - حسبما قال - الإعانة على إتقان العلم بفن التشريح وهذه المقدمة تشمل خمسة مباحث : 1- اختلاف الحيوانات في الأعضاء . 2- فوائد وقواعد علم التشريح . 3- إثبات منافع الأعضاء . 4- المبادئ التي بها يستخرج العلم لمنافع الأعضاء بطريق التشريح . 5- ماهية التشريح وآلاته . ويتابع الدكتور غليونجى كلامه فيقول : إن ابن النفيس ، وهو العالم الذي صنف في علوم اللغة وملك ناصيتها ،ووقف على معاني ألفاظها ومدلولاتها الدقيقة قد وصف التشريح بأنه فن لاعلم. ومعلوم أن الفن يكتسب بالممارسة ، والعلم يكتسب بالدرس ، وميز بين فن التشريح وعلمه إذا بدا فقال : إن مقدمته تعين على إتقان العلم بفن التشريح . وأضاف في عنوان المبحث الرابع " في المبادئ التي بها يستخرج العلم لمنافع الأعضاء (وهوعلم الفسيولوجيا الذي لم يكن انفصل عن علم التشريح بعد )بطريق التشريح . فالتشريح في نظره فن وعلم وطريقة للوصول إلى العلم ،وهذه الطريقة تقتضى استعمال آلات وصفها في المبحث الخامس تحت عنوان "في ماهية التشريح وآلاته". ثم ناقش في هذه المقدمة تشريح العظام ، والأربطة ، والقلب ، والرئة،والعروق ، إلى غير هذا من مكونات الجسم بكلام لا يفيد منه إلا من يجرى التشريح بيده ، ولا يمكن تصور خروجه إلا من لسان من دأب على ممارسته . فقد شاهد ابن النفيس الجثث ووصفها وهي في مراحل انحلال اللحم عنها ، وظهور العظام والأربطة من تحته، وقال : إن تفحص العظام لا يحتاج إلى عمل طويل ، ثم كاد يقترب من علم آخر لم يكن استقل في هذا الزمن من العلوم الطبية الأخرى، وهو علم التشريح المرضى: أو "الباثولوجيا " وهذا عندما لاحظ أن "تشريح العروق الصغار في الجلد يعسر في الأحياء لتألمهم" وبعد هذا الذي قاله عن مشاهدته، يقول ابن النفيس : " قوله : ليكون له مستودع غذاء يتغذى به، وجعله الدم في البطين الأيمن منه يتغذى القلب لا يصح البتة ، فان غذاء القلب إنما هو من الدم المار فيه من العروق المارة في جرمه " وهذه العبارة تجعل ابن النفيس أول من فطن إلى وجود أوعية داخل عضلة القلب تغذيها وهي تضيف دليلا أخر على أن ابن النفيس مارس التشريح ، كما أنها تجعل منه أول من وصف الشريان الاكليلى وفروعه. ولعلنا نستطيع الآن أن نتصور الدورة الدموية كما كان يتصورها ابن النفيس مستندين في ذلك إلى ما سبق أن استشهدنا به من فقرات وردت في " شرح تشريح القانون " . فقد كان يرى أن الدم يأتي غليظا من الكبد إلى التجويف الأيمن ، حيث يلطف ، ثم يمر في الشرياني ( الشريان الرئوي ) وهو وعاء غير نابض ، يتحرك بحركة الرئة حركة معتدلة، هي سبب غلظ جداره ، ثم يصل إلى الرئة حيث ينقسم قسمين : قسم رقيق يصفى من مسام الشريان الرئوي وقسم غليظ يتبقى في الرئة لتغذيتها . أما القسم الرقيق فانه يختلط بالهواء القادم إلى الرئة عن طريق القصبة الهوائية ، ويدخل الشريان الوريدي ( الوريد الرئوي ) عبر جداره النحيف . وعلة هذه النحافة أولا ضرورتها لتسمح بمرور الدم الرقيق ، ثم كثرة حركتها إذ أنها كانت - في زعمه - نابضة تلقائيا، بالإضافة إلى أنها متحركة تبعا لحركة الرئة . ثم يصل الدم الرقيق المخلوط بالهواء إلى التجويف الأيسر، حيث تتكون الروح التي تخرج منه إلى الأورطة ، فالشرايين، فالأنسجة. أما غذاء القلب فيكون عن طريق أوعية خاصة تمر في صميم عضلة القلب . وبذلك يمكننا أن نقول :إن ابن النفيس وصف الدورة الدموية الصغرى أو الدورة الدموية الرئوية وصفا صحيحا يخالف وصف ابن سينا وجالينوس كل المخالفة ، وذلك قبل أن يكتشفها الأوربيون بعدة قرون. فلقد توفى ابن النفيس سنة 1288 م، وترجم الباجو "شرح التشريح " سنة 1547 ونقله من الشرق إلى البندقية ، ووضع سرفتوس مؤلفة سنة 1553 م "إعادة المسيحية " .ووضع ريالدو كولومبو مؤلفة سنة 1559 في بادو عن " التشريح " ودرس هارفى في بادو من سنة 1597 م-1602 م ووضع مؤلفه لحركة القلب والدم سنة 1622 م. وقال الدكتور العالم عبد الحليم منتصر : "ومن أسفى أن كثيرين من شباب علمائنا وأطبائنا يعتقدون أن " هارفى " أول من اهتدى إلى كشف الدورة الدموية ، في حين أن ابن النفيس هو كاشفها الأول ، وعنه نقل الغرب ، حين ترجموا الكتب العربية ، ويظهر أن الأمانة العلمية لم تكن طابع هؤلاء النقلة ، فنسبوا إلى أنفسهم ما لم يكن من عملهم ،وجحدوا فضل العالم العربي الأشهر : ابن النفيس ". كتاب موجز القانون شرح مقتضب تناول كل أجزاء القانون فيما عدا التشريح ووظائف الأعضاء ، مما جعله سهل التناول ، محبوبا من الوجهة العلمية لممارسي الطب . ولذا فانه انتشر في كل الشرق، وكان له تأثير بالغ في طب هذا البلاد. ويقول عنه طاش كبرى زاده (ت : 968 ه ) في كتابه : ومن الكتب المختصرة النافعة غاية النفع المباركة للطلاب كتاب " الموجز لابن النفيس " . ويقول حاجى خليفة في كتابه " كتاب معتبر مفيد " وهو خبر ما صنف من المختصرات والمطولات إذ هو موجز في الصورة لكنه كامل في الصناعة ، منهاج للدراية ، حاوٍ للذخائر النفسية ، شامل للقوانين الكلية ، والقواعد الجزئية ، جامع لأصول المسائل العملية والعلمية " . وقال عنه الأستاذ الدكتور العلامة : احمد عمار، نائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي عهد إليه مراجعة تحقيق هذا الكتاب : " تمت مراجعة هذا التحقيق وتحرى فصوله المختلفة ، واتضح أنه كتاب قيم ونفيس ، ويستحق النشر ، إحياء لما تضمنه من معارف مشرقة في التراث الطبي العربي " . ويوجد من كتاب الموجز نسخ في باريس ، وأكسفورد ، وفلورنسا ، وميونخ ، والأسكوريال وقد كثرت ترجمته إلى اللغات الأجنبية ، وتعددت التعليقات عليه . وأول هذه التعليقات يكاد يعاصره ، في كتاب " لأبى إسحاق إبراهيم بن محمد الحكيم المتوفى سنة 1291 م اى بعد ثلاث سنوات بعد وفاة ابن النفيس. ثم جاء كتاب " حل الموجز " لجمال الدين محمد بن محمد الأقسرائى المتوفى سنة 1398 م، وطبع عدة مرات في شمال الهند ، وآخرها في القرن التاسع عشر . وترجمه إلى اللغة التركية مصلح الدين مصطفى بن شعبان السرورى ، ثم احمد كمال طبيب مستشفى أدرنة في عهد السلطان سليمان ، كما ترجم إلى العبرية وكان عنوانه : " سفرهموجز "وطبع بالإنكليزية أول مرة في كلكتا سنة 1828 م بعنوان: " المغنى في شرح الموجز " . ثم أعيد طبعه في لاكنو سنة 1906 م . والكتاب مرتب على أربعة فنون: الأول : في قواعد جزأى الطب - أعنى علميه وعمليه - بقول كلى . الثاني : في الأدوية والأغذية المفردة والمركبة وأسبابها وعلاماتها ومعالجاتها . الثالث : في الأمراض المختصة بعضو عضو . الرابع : في الأمراض التي لا تختص بعضو دون عضو آخر ، وأسبابها ، وعلاماتها، ومعالجاتها. والتزم فيه مراعاة المشهور في أمر المعالجات من الأدوية، والأغذية ، وقوانين الاستفراغات وغيرها. حققته على خمس نسخ كتبت بتواريخ مختلفة ، واليك بيانها : 1- النسخة الأولى ، الأصل ، وهي مصورة عن مكتبة الأمبروزيانا بايطاليا ، وتقع في 226 لوحة. 2- نسخة من مكتبة طلعت باشا ، طب رقم 491 ، وتقع في 158 ورقة ، مكتوبة بخط نسخ عادى ، وكتبت العناوين بالحبر الأحمر. 3- نسخة برقم 115 طب عام بدار الكتب المصرية ، وتقع في اثنتين وستين ورقة. 4- نسخة من مكتبة طلعة باشا أيضا ، طب رقم 490 وتقع في تسع وسبعين ومائتي ورقة مكتوبة بخط نسخ جيد ، والعناوين مكتوبة بالحبر الأحمر ، وهى مضبوطة. 5- نسخة من مكتبة حليم رقم 44 وتقع في مائة وخمسين ورقة ، وفى أولها فهرس مفصل. ومن المفيد ذكره أن العلامة ابن النفيس يعتبر علامة مجدد في مجال تركيب الأدوية حيث وضح ف يأقرباذينه الجانب التقني المتعلق بتركيب الأدوية حيث وضع قوانين لتركيب الأدوية جاء في كتابه الموجز في القانون: ( إنا لا نؤثر على الدواء المفرد مركبا إن وجدناه كافيا ، لكنا قد نضطر إلى التركيب، إما لإصلاح كيفية دواء مفرد لحدته أو طعمه ، أو رائحته ، أو لتقوية قوته ،أو لإضعافها ، أولأنه سريع النفوذ فيخلط به ما يسرع تثبته ، أو لأنه بطئ النفوذ فيخلط به ما يسرع نفوذه إما مطلقا ، أوعضو مخصوص ، أو ما يخصصه بعضو دون عضو ، وإما لأن المرض مركب ولا نجد دواء مفردا يقابل كلا مفرديه ،أو وجدنا ولكن احد قوتيه اضعف ، أو أقوى ، فيخلط به ما يعدله ، أو وجدنا وقوتاه متكافئتان : ولكن احد مفردى المرض أقوى ، فيقوى القوة التي تقابلها ، وإذا ركبت أدوية وكان لك بكل دواء غرض فاجعل نسبة مقدار الشربة من كل واحد منها إلى مقدار الشربة من الآخر كنسبة الغرض منه إلى الغرض من الآخر ، وان تساوت الأغراض فخذ من كل واحد منها جزءا من مقدار شربته سميا لعدد الأدوية ، وربما كان بعض المفردات هو الأصل في المركب كالصبر في ايارج فيفرا ، فإذا بطل أو بدل بطلت فائدة التركيب أو نقصت ، وإذا أردت معرفة درجة الدواء المركب في حره مثلا أو برده فاجمع الأجزاء الحارة والباردة من المفردات ، واسقط الأقل من الأكثر ، وخذ من الباقي جزءا سميا لعدد الأدوية ، فهو في درجة المركب).
|